المسجد الأقصى و"مشروع إحياء دروس مصاطب العلم"
فلسطين ـ خاص
في ظل التهديدات المتصاعدة التي يطلقها المستوطنون والمنظمات الصهيونية المتطرفة باقتحام المسجد الأقصى والاستيلاء عليه أو أجزاء منه، تمهيداً لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، وقد قام الإرهابيون الصهاينة بتحديد يوم العاشر من شهر نيسان الجاري موعداً لتنفيذ تهديداتهم التي تستهدف المسجد الأقصى المبارك.
وإزاء العدوان الجديد الذي يعد له الصهاينة بحق المسجد الأقصى المبارك أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس، أن "ارتكاب مثل هذه الجريمة سيكون حدثاً مدوّياً له ما بعده، وعلى الكيان الصهيوني والعالم كله أن يتحملوا مسؤولية ما سيترتب عليه من تداعيات وردود فعل؛ وإذا كان رد شعبنا على تدنيس شارون للمسجد الأقصى عام 2000 بإشعال انتفاضة الأقصى المجيدة، فإن ردة فعل شعبنا على جريمة خطيرة من هذا النوع لابد أن تكون بحجم قدسية المسجد الأقصى وحرمته ومكانته، وبحجم الجريمة وفظاعتها واستفزازها لجماهير شعبنا وأمتنا"، مشيرة إلى أن القدس والمسجد الأقصى في خطر متلاحق منذ ثمانية وثلاثين عاماً "لكن الخطر اليوم أشد، والتهديد حقيقي وأكثر جدية وله ما بعده!!".
وفي إطار الحملة الإعلامية للدفاع عن المسجد الأقصى ينشر المركز الفلسطيني للإعلام مجموعة تقارير "المسجد الأقصى في قلب الحدث" التي قام بإعدادها مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية إسهاماً منها في نشر التوعية بكل ما يتعلق بالمسجد الأقصى وفيما يلي التقرير الخامس والذي يحمل عنوان " مشروع إحياء دروس مصاطب العلم".. إحياء للدور العلمي والريادي للمسجد الأقصى وتكثيف للتواجد والرباط فيه.
الأقصى.. منارة علم يجتمع فيه مئات العلماء والآلاف من طالبي العلم
منذ دخول المسلمين إلى القدس فاتحين وبناء المسجد الأقصى المبارك في العهد الإسلامي الأول أخذ المسجد الأقصى دورا علميا بارزاً، إذ رحل إليه الكثير من علماء الصحابة الكرام الذين بدؤوا بتفقيه وتعليم الناس أمور دينهم، ومع مرور الزمن أصبح المسجد الأقصى منارة علم يجتمع فيه مئات العلماء والآلاف من طالبي العلم من شتى الأقطار الإسلامية لينهلوا من أبواب العلوم الإسلامية المختلفة من فقه وتفسير وقراءات وحديث، وبرز في العصر الأيوبي والمملوكي الدور العلمي الريادي للمسجد الأقصى المبارك وشيدت المدارس الكثيرة في ساحات المسجد الأقصى المبارك كالمدرسة الصلاحية والمدرسة المنجكية والمدرسة التنكزية، وتحت قباب المسجد الأقصى المبارك ألَّف العلامة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى كتابه المشهور "إحياء علوم الدين".
في أواخر العهد العثماني بدأ الدور العلمي والريادي للمسجد الأقصى بالانحسار، واشتد ذلك بعد الانتداب البريطاني على فلسطين والقدس، ومنذ سقوط المسجد الأقصى تحت الاحتلال (الإسرائيلي) عام 1967 حوصر المسجد الأقصى وضيقت عليه السبل وشلت تقريبا حركته العلمية والريادية إلا من ومضات هنا وهناك.
ابتلاء واعتداء
شاء الحق تبارك وتعالى أن يبتلى المسلمون أكثر من مرة بوقوع المسجد الأقصى في الأسر، فكم عانى أهل فلسطين من احتلال غاشم لهم ولمسجدهم، فما أن تقع فلسطين في الأسر حتى ينتقم المحتلون من مسجدها أولاً ومن المرابطين فيها، ثانياً وليس أدل على ذلك مما اقترفه الصليبيون من مجازر كبرى في ساحات المسجد، حيث قتلوا حسب الروايات التاريخية أكثر من سبعين ألف مسلم اعتصموا في المسجد ظنا منهم أن الصليبيين وهم أهل كتاب يرعون للمساجد حرمتها، فقتلوا من فيها وجعلوا من المسجد كنيسة، ومن ساحاته إسطبلات للخيل ولا زالت آثار الصليبيين ماثلة للعيان حتى اليوم في معمار المسجد الأقصى وإضافاتهم عليه.
وبعد ما يقرب من سبعة قرون من إعادة فتح صلاح الدين الأيوبي لمدينة القدس عادت القدس ومسجدها الأقصى لترزخ تحت الاحتلال مرة أخرى، ولكن هذه المرة احتلال من نوع جديد، احتلال شكلت المساجد بالنسبة له عقدة وأي عقدة، فلم يرع لأي مسجد حرمة ولم يرقب في مؤمن إلاَّ ولا ذمة، حوّل مساجد فلسطين إلى حانات تشرب فيها الخمر وحظائر للبقر وجعل من بعضها أثرا بعد عين، أما المسجد الأقصى فلقد لحقه تخريب، ولكن تخريب منظم، فقد بدأ اليهود باحتلال العقارات الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك بوضع اليد أو بالشراء من ذوي الذمم الرخيصة، ثم أخذوا يفرضون حصارا حول المدينة المقدسة فيمنعون أهل فلسطين من التوجه إلى المسجد الأقصى ثم، افتعلوا المجازر بحق المصلين وهم ساجدون فيه كما حدث في 8/10/1990م لإرهاب الناس ومنعهم من التوجه إليه، وحاولوا أيضا نسف المسجد ومحوه عن الوجود، فقام يهودي موتور بإحراق المسجد الأقصى ومنبر صلاح الدين الأيوبي في : 21/8/69م، ثم خططت مجموعات إرهابية نسفه في عام 1984م لولا يقظة حراس المسجد الأقصى، وهذه أمثلة للتمثيل لا للحصر، كما حولوا بعض المدارس المحيطة بالمسجد إلى مراكز للجيش إضافة إلى المساجد القربة من الأقصى والتي منعوا فيها الآذان كمسجد حارة الشرف الذي كان قدره أن يصبح وسط جمع سكني يهودي بالقرب من حائط البراق.
بوارق عمل وأمل من شيخ الأقصى
تجاه الحصار والتضييق ومحاولة تهميش دور المسجد والمحاولات المتكررة للاعتداء عليه فقد بادرت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني مطلع التسعينات بالمساهمة في مشاريع إعمار للمسجد الأقصى المبارك، وبرز دور الشيخ رائد صلاح – رئيس الحركة الإسلامية – في حمل همّ المسجد الأقصى وتكثيف عمله بالتعاون مع إخوانه من قيادات وأبناء الحركة الإسلامية والأوقاف الإسلامية في القدس، وبدأت مسيرة مشاريع إعمار المسجد الأقصى، وكان أهمها اعمار المصلى المرواني وافتتاحه للصلاة بعد انقطاع دام سنوات طوال، ولأهمية الموضوع فقد أسست "مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية" التي يرأسها الشيخ رائد صلاح لمتابعة مشاريع إعمار المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى ووضعت برامج العمل والمشاريع ورأى كثير منها النور.
مشاريع إحياء بعد إعمار
مضت سنوات على مشاريع الإعمار داخل المسجد الأقصى المبارك، وأصبحت ملامح التغير واضحة الأمر الذي لم يَرُق للمؤسسة (الإسرائيلية)، وأخذت بتشديد الحصار والتضييق على المسجد الأقصى المبارك، فمنعت منذ أكثر من سنتين من إدخال مواد بناء مهما كان صغيرا ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى بعد دخول ارئيل شارون إلى باحاته، منعت دخول المصلين من أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى المسجد الأقصى ووضعت عراقيل لوصول المصلين من داخل الخط الأخضر وحددت الجيل الذي يسمح له بالدخول (40 سنة وما فوق وأحيانا 50 سنة وما فوق) في كثير من الأحيان، وهدفت المؤسسة (الإسرائيلية) من تضييقها هذا حصار المسجد الأقصى وتفريغه من المصلين وتفريغ القدس من أهلها لتسهيل تنفيذ مخططاتهم للنيل من المسجد الأقصى والاستفراد به على حين غرة.
الوضع الجديد أوجب ايجاد حلول لمواجهة هذه المخططات، وهنا بدأت "مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية" في المساهمة بمشاريع إحياء المسجد الأقصى المبارك، ووفق الله تعالى أعضاء مؤسسة الأقصى ورئيسها الشيخ رائد صلاح إلى المساهمة في مشاريع إحياء المسجد الأقصى المبارك وكان أبرزها مشروع "مسيرة البيارق" - الحافلات المجانية اليومية التي تنقل الناس من قرى ومدن الداخل الفلسطيني إلى الصلاة في المسجد الأقصى – وبجانبه "مشروع دروس مصاطب العلم في المسجد الأقصى المبارك"، وكان الشيخ رائد صلاح – فرّج الله كربه وفك أسره وأسر إخوانه – قد قال عند انطلاق المشروع : " لقد انتقل دور مؤسسة الأقصى خلال الأعوام الماضية من مرحلة إعمار المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك إلى مرحلة أحيائها، ومشروع مصاطب العلم يعد أحد مشاريع إحياء المسجد الأقصى".
وأضاف الشيخ رائد صلاح أن "مصاطب العلم عاشت على مدار سنين مجرد أحجار اشتاقت إلى مدرس ومعلّم يقف عليها، ويعلم الناس ويرشدهم ويفقهم في الدين وان الهدف من إحياء دروس مصاطب العلم هو إعادة المكانة العلمية للمسجد الأقصى كمدرسة وجامعة لتخريج العلماء ".
فكرة إحياء وإعادة دور ورسالة
قامت فكرة أحياء دروس ومصاطب العلم في المسجد الأقصى المبارك على إعادة دور ورسالة المسجد الأقصى في توعية الناس ونشر العلم والدعوة إلى الله، الرسالة التي تضاءلت بعد الاحتلال عام 67، بالإضافة إلى ترشيد وجود الناس وحثهم على التواجد داخل المسجد بعد الصلوات وعدم الانفضاض وترك المسجد خاليا ولا سيما بعد ثبوت نوايا الاحتلال ومخططاته للنيل من المسجد الأقصى واقتحامه – لا قدر الله – والاستيلاء على أجزاء منه وإعلان السماح لليهود والسواح الأجانب الدخول إليه مؤخرا، الأمر الذي يحول إعمار المسلمين لمسجد وتواجدهم الدائم فيه دون ذلك، كما تؤدي هذه الدروس دورا هاما في وعظ زائري المسجد الأقصى من الوفود التي تسيرها مؤسسة الأقصى من خلال مسيرة البيارق اليومية، حيث توفد المؤسسة عددا كبيرا من الحافلات التي تصل بأهلنا من فلسطينيي الـ 48 الذين يجدون في هذه الدروس اليومية زادا لهم خلال رباطهم في المسجد الأقصى.
وقد بدأ برنامج دروس ومصاطب العلم في المسجد الأقصى في الأول من حزيران 2001 عبر تخصيص عدد من المحاضرين والمحاضرات في المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة المشرفة في برنامج يومي طوال أيام الأسبوع يخصص جزء من هذا البرنامج لزيارات مسيرة البيارق وجزء آخر من هذه الدروس لأهل مدينة القدس المرابطون في المسجد بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء بحيث تتنوع هذه الدروس لتكون شاملة لموضوعات العلم الشرعي للرجال والنساء في الحديث الشريف والسيرة النبوية المطهرة والتفسير والثقافة الإسلامية والفقه وغيرها، وتلقى الدروس تجاوبا جيدا من خلال الحضور بإعداد من شانها إعمار المسجد وتعزيز التواجد فيه.
إقبال وتفاؤل
استقطبت دروس مصاطب العلم عدداً كبيراً من الزائرين والعاكفين ورواد المسجد الأقصى المبارك ولا سيما القادمين يوميا إلى المسجد الأقصى ضمن مشروع البيارق.
ويضاف إلى هذه الدروس درس جامع للرجال والنساء في مسجد قبة الصخرة المشرفة تحت عنوان "درس الثلاثاء" وهو درس يصل عدد رواده إلى ثلاثة آلاف مصلٍ في تظاهرة علمية أسبوعية في ساحات المسجد الأقصى.
يقول أحد المشاركين في حضور هذه المصاطب من أهالي القدس الشريف: "مشروع مصاطب العلم أصبح معلما هاما من معالم المسجد الأقصى المبارك، فقد أعاد المسجد الأقصى روحه العلمية، وقام بنشر الوعي بين الناس".
ويقول آخر : " مصاطب العلم تعيد مجد الأقصى المبارك، وتذكرنا بمجد الأمة الإسلامية، فهذا لمشروع نقطة ضوء تحاول مصارعة الظلام".
وعبرت إحدى المشاركات عن رأيها قائلة: "مشروع المصاطب نشاط يهدف إلى الاعمار المعنوي والتثقيف الإيماني، إلى جانب المشاريع العمرانية الهادفة إلى الاعمار المادي، لتكون جنبا إلى جنب في المحصلة المرجوة لتكثيف التواجد في المسجد الأقصى المبارك، وللرقي بجيل اليوم إلى المستوى التثقيفي المطلوب من خلال المدرسة المسجدية".
والمصطبة مكان مرتفع عن سطح الأرض، بنيت من الحجر على شكل مربع أو مستطيل، وبلط سطحها بالبلاط الحجري، وأنشئت لغرضي الصلاة والتدريس معا، خاصة في فصل الصيف.
وتحتوي ساحة حرم الأقصى على قرابة ثلاثين مصطبة، انتشرت بصورة عشوائية في جهاته الأربع، لكنها تركزت بشكل واضح في الجهة الغربية لساحة الحرم الشريف.
وأنشئ خمس من هذه المصاطب في الفترة المملوكية، منها مصطبة الظاهر ومصطبة البصيري ومصطبة سبيل قايتباي، أما بقيتها فقد تم إنشاؤها في الفترة العثمانية.
الرئيسية
موضوع: المسجد الأقصى و"مشروع إحياء دروس مصاطب العلم" 
الخميس 08 أكتوبر 2009, 5:08 am
